عبس وتولى

كان الرســول صلى الله عليه وسلم ذات يــوم يطــوف فــي أحيــاء مكــة يدعــو صغارهــا وكبارهــا، نســاءها ورجالهــا، أحرارهــا وعبيدهــا للإســلام وتوضيــح مــا قــد يلتبــس عليهــم فهمــه..
فهـو حريـص كل الحـرص علـى ترغيـب الجميـع لهـذا الديـن العظيم..
وبينمـا رسـول الله صلى الله عليه وسلم علـى هـذه الحالـة.. مـّر علـى مجموعـة مــن زعمــاء وقــادة قريــش الذيــن لهــم كلمــة مســموعة ورأي ســديد فــإن أســلموا سيســلم معهــم أتباعهــم، ورجالهــم، ونســاؤهم، وعبيدهــم، ومواليهــم، فــإذا أمروهــم ســمعوا لهــم
وطاعــوا أمرهــم..
فــكان -عليــه الصــلاة والسلام- حريصــاً جــداً علــى دعوتهــم إلـى التوحيـد خصوصـاً أنهـم جلسـوا لينصتـوا إلـى قولـه علـى غيـر العـادة.. فهـو فـرح لقبولهـم الإنصـات لـه لعلهـم يهتـدون
ويهتـدي بهدايتهـم مـن هـم تحـت أيديهـم..
وفـي أثنـاء محاورتـه لهـم وبيـن شـد وجـذب وإقنـاع وعـرض الحجـج والبراهيـن والآيـات..
أتـى إليـه الصحابـي الجليـل أحـد علمـاء المسـلمين وقضاتهـم وفقيههــم كفيــف البصــر مبصــر القلــب عبــدالله بــن أم مكتــوم -رضــي الله عنــه- يبحــث عــن النبــي صلى الله عليه وسلم ليحفظــه بعــض آيــات القــرآن فهــو لا يســتطيع أن يبصــر آياتــه وقــد كان
حريصــاً علــى حفــظ آياتــه..
وكمـا نعلـم أن الحفـظ يحتـاج وقتـاً مناسـباً وإلـى تفـرغ لتكريـر الآيـات وترديدهـا حتـى ترسـخ بالعقل..
فأقبــل عبــدالله ابــن أم مكتــوم -رضــي الله عنــه- وجلــس بجانــب النبــي صلى الله عليه وسلم وهــو لا يعلــم َمــن بيــن يــدي رســول الله -عليـه الصـلاة والسلام- ومـا غايـة النبـي فـي هـذا المجلـس؟
فقــال لــه:
“يــا رســول الله علمنــي ممــا علمــك الله” والنبــي صلى الله عليه وسلم منشــغل بمــن هــم بيــن يديــه للدعــوة فلــم يلتفــت لــه..
فأخذ عبدالله ابن أم مكتوم -رضي الله عنه- يكرر: “يا رسول الله علمني مما علمك الله” “يا رسول الله علمني مما علمك الله”
فتغيــر وجــه النبــي صلى الله عليه وسلم وظهــرت عليــه معالــم الضيــق -عليــه الصـلاة والسلام- فهـذه المعالـم لـم يرهـا عبـدالله فهـو كفيـف ولــم يشــعر حتــى بهــا.. ورغــم هــذا عاتــب الله نبيــه بســورة كاملـة:﴿َعَبـَسَ وتََوَّلـٰى(١)أَنَجـاَءهُ اْلأَْعَمـٰى﴾[عبـس:١-2]
حتى أصبح النبي حينما يرى عبدالله ابن أم مكتوم -رضي الله عنه-
يقول له: “مرحباً بمن عاتبني فيه ربي”. لم يعاتب الله رسوله صلى الله عليه وسلم قط إلا بهذا الموقف..
العجيـب أن الله حينمـا عاتـب نبيـه عاتبـه علـى شـخص كفيـف لا يبصر ولا يرى وجه النبي -عليه السـام- ..
هل هو غاضب أم راضي؟! هل هو مبتسم أم حزين؟!
فكيـف سـيكون عتـاب الله لنـا، نحـن الذيـن نعبـس فـي وجـوه المبصريــن؟!
هل لدينا عذر أقوى من عذر النبي صلى الله عليه وسلم!! هل كنا منشغلين بتبليغ رسالة؟! إذاً: نحن بالتأكيد محاسبين على تعابير وجوهنا..
ٍٍُِِّ
وقد قال الله تعالى: ﴿َوَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ ﴾ [الهمزة:١]
محاسبون على الهمز واللمز فكيف بتقطيب الحاجبين؟! ينبغي لنا مراجعة حركاتنا وهمساتنا..
فلا نــدري كــم شــخص قــد كســرنا شــيء فــي نفســه بســبب تعابيــر وجــه عابــرة..
ونجعل نصب أعيننا هذه الآية:
﴿َيــْوَم تَْشــَهُد َعَلْيِهــْم أَْلِســَنتُُهْم َوأَْيِديِهــْم َوأَْر ُجُلُهــم ِبَمــا َكاُنــوا َيْعَمُلــوَن﴾ [النــور:2٤]

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *