لـم يأمرنـا الله بالتأمـل والتدبـر بالقـرآن إلا لنعالـج بـه أحزاننـا ونجــد حــلاً لمشــاكلنا.. القــرآن لــم يكــن معجــزة لقريــش ولا للعـرب فقـط، القـرآن معجـزة لـكل مسـلم يتلـوه.. ففيـه ضالـة كل مؤمــن.. فقــط نحتــاج تلاوته بالقلــب والعقــل لا باللســان
فقـط.
بعــد مكــوث أصحــاب الكهــف مــدة مــن الزمــن أكثــر مــن
٣٠٠ ســنة، قامــوا فقــال أكبرهــم: ﴿َفَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَٰذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَىٰ طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا ﴾ [الكهـف:١9] أمرهـم بالتلطــف فمــا هــو التلطــف؟ التلطــف هــو التعامــل بهــدوء ورقــة ولباقــة وخفــاء، بــدون خشــونة ولا فضاضــة..
هل تجتمع كل هذه الأفعال بهذه الكلمة؟ نعم.
قــد يتســاءل القــارئ مــا الحكمــة مــن تلطــف الفتيــة وهــم لــن يتعرضـوا لأحـد أو يـؤذوا أحـداً لمـاذا عليهـم التعامـل بخفـاء ولباقـة وهـدوء؟ هـم الآن فـي موقـف عصيـب، هاربـون ليـس لديهـم مـكان يؤويهـم، ولا أهـل يأنسـون بهـم، ومـن الرجاحـة أن يخفــوا أنفســهم حتــى لا يتعــرف عليهــم أحــد فيتعرضــوا للمضايقــة فيكشــف أمرهــم، وهــذا المنطــق أن الإنســان فــي مواقفــه العصيبــة عليــه أن يتلطــف لا يندفــع وراء مشــاعره حتــى يجــد حــلاً لأمــره، مــن الخطــأ أن يندفــع الإنســان وقــت
المشــاكل ويظهــر نفســه فبالتأكيــد ســيزداد الأمــر ســوءاً..
لكسب القلوب من حولك تلطف لتصل إلى القمة تلطف تسعى لفتح مغاليق العقول تلطف تعرضت لمضايقات من الجاهلين تلطف لا تعجبك مجالسهم تلطف يؤذونك بكلامهم تلطف
تريــد أن تبلــغ الغايــات بـلاحقد ولا حســد اعمــل بصمــت ﴿َوْلَيَتَلَّطــْف َوَلا ُيْشــِعَرَّن ِبُكــْم أََحــًدا﴾
مــن لطائــف القــرآن أن كلمــة (تلطــف) تأتــي فــي منتصــف القـرآن فـي الجـزء الخامـس عشـر فـإذا وصلـت لهـذه الكلمـة فأنــت تجــاوزت شــطر القــرآن تمامــاً وباقــي لــك الشــطر
الآخــر..
وكأن التلطــف ميـزان القــرآن والديــن، الوســطية بــكل شــيء والاعتـدال بـكل شـيء..
وما يجعلنا نسـتعظم التلطف أنه اسـم من أسـماء الله الحسـنى (اللطيـف) فاسـم الله اللطيـف حينمـا يذكـر بالقـرآن إمـا يأتـي منفـرداً أو مقـرون باسـم الله الخبيـر..
وكأن اللطــف والرقــة خلفهــا خيــر بالغيــب ســتجزى عليــه،
أنــت لا تعلمــه لكــن الله يعلمــه وهــو اللطيــف الخبيــر .